/ الفَائِدَةُ : (14) /

10/04/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِلاِنْحِرَافَات المَعْرِفِيَّة في معركةِ الجمل وصفِّين والنهروان / من الأُمور الْمُهِمَّة، بل اللَّازِمَة في الْاِعْتِقَادِ بالموقعيَّةِ الدِّينيَّةِ : أَنَّ الهداية لا تَتِمّ بمجرَّد الْاِعْتِقَاد بأَصل الحُجِّيَّةِ والاِصطفاء الإِلٰهيّ مالم يُضم إِليها بقيَّة المحاور والحيثيَّات الأَربع، وإِلَّا ارتطم المخلوق بالضَّلال والزَّيغ والانحراف، وهذا ما بيَّنه وخطَّه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في معاركه الثلاث ـ الجمل وصفِّين والنهروان ـ؛ فإِنَّها تشترك في شيءٍ، وهو: ارتطام المعسكر المقابل، بل الأُمَّة بالضَّلالات والانحرافات الفكريَّة والمَعْرِفِيَّة والعقائديَّة، وأَراد الباري جلَّ شأنه معالجتها على يد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ؛ فإِنَّه عليه السلام لم يقبل احتجاج معسكر أَهل الشَّام في معركة صفِّين بالمصحف الشَّريف، لكنَّه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ احتجَّ به على معسكر أَهل البصرة في معركة الجمل . والنُّكْتَةُ : أَنَّه عليه السلام أَراد أَنْ يُبيِّن في معركة الجمل : أَنَّ حُجِّيَّة القرآن الكريم فوق احترام وحرمة أَزواج سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وأَصحابه ، وأَراد أَنْ يُبيِّن في معركة صفِّين : أَنَّ حُجِّيَّة الإِمام من أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ باعتبار أَنَّه القرآن النَّاطق ـ مُهَيْمِنَة على حُجِّيَّة المصحف الشَّريف ـ وهو القرآن الصَّامت ـ . أَمَّا في معركة النهروان فاراد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ من خلال بيان قوله: «مَنْ طلب الحقّ فأَخطأَه (وهم الخوارج)، ليس كمَن طلب الباطل فأَصابه (وهم : معاوية وعمر بن العاص وجماعتهما)» ـ أَنْ يُبَيِّن : مراتب أُخرىٰ للحُجِّيَّة ، وهي : مُحْكَمَات وبديهيَّات وضروريَّات الوحي، وكيفيَّة تطبيقاتها على التَّفاصيل ، والتطبيقات من الأُمور النَّظريَّة فلا تُقَدَّم على حُجِّيَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَيضاً . فقولهم : «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» مُحْكَم من مُحْكَمَات وبديهيَّات بيانات الوحي (1)، لكنَّهم ارتطموا بالضَّلال والزَّيغ والانحراف ؛ نتيجة تطبيقهم الخاطئ والمُضل . وهذا المحذور هو الَّذي أَوقع إِبليس (عليه اللعنة) في ورطته ؛ فإِنَّه لَـمَّـا لم يحفظ أَو يُحافظ على مراتب الحُجَج الإِلٰهيَّة تطاول على خليفة الله وحُجَّته . إِذَنْ : الكفر بالرُّتبة كفر عظيم . وهذا ما يُوضِّح : أَحد التَّعابير الشَّائعة عند أَهل المعرفة والمُتكلِّمين ـ وهو تعبير مُهمّ ودقيق جِدّاً ـ وهو: (حفظ المراتب من الإِيمان). وقس على ضدِّه دفع المراتب وإِنكارها، والخلط والخبط بينها ؛ فإِنَّه كُفرٌ خفيٌّ حاجب عن ترقِّي مراتب الإيمان . وهذا أَحد أَسرار معاني وحقائق بيان زيارة عاشوراء : «... وَلَعَنَ الله أُمَّة دفعتكم عن مقامكم ، وأَزالتكم عن مراتبكم الَّتي رتَّبكم الله فيها ...» (2) ، ومضمون هذا البيان الشَّريف نفس مضمون بیان قوله تبارك اسمه : [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ] (3) ـ ؛ فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على وجوب ولزوم حفظ المراتب . وعدم التفرقة الوارد في بيان قوله جلَّ قدسه : [لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ] (4) ناظر إِلى أَصل: المنظومة والمسيرة والهدف ، وهذا ـ كسابقه ـ أَمرٌ ضروريٌّ ، ومعناهما : أَنَّه كما أَنَّ وحدة المنظومة أَمرٌ ضروريٌّ كذلك تعدُّد مراتب الحُجَج أَمرٌ ضروريٌّ أَيضاً . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)يوسف : 40 . (2) بحار الأَنوار، 98: 291. مصباح الطوسي: 538ـ 542 . (3) البقرة: 153. (4) البقرة: 285